الجمعة، 12 يونيو 2015

الحياة.. قـــرار


يقول وليم جيمس -أبو علم النفس الحديث- ليس هناك من هو أكثر بؤسًا من المرء الذي أصبح اللا قرار هو عادته الوحيدة!

واستنادا إلى هذه المقولة العميقة، يمكننا اكتشاف لماذا نحيا في عالم مليء بالبؤساء!!

إن الحياة تدفع المرء منا في كل لحظة إلى اتخاذ قرارات، ابتداء من قرار بسيط كشراء حذاء أو حُلّة سهرة، مرورا بقرار اختيار تخصص جامعي أو شريك الحياة، وانتهاء -إذا كنت من الزعماء- بقرار حرب أو غزو!




واتخاذ القرار ليس بالأمر السهل ولا يقدر عليه سوى الشجعان، وكثير ممن يعيشون بيننا يهربون من لحظات اتخاذ القرار، ويدفعون بغيرهم كي يتخذوا هم القرارات، والسر في هذا أن للقرارات ردود أفعال، ونتائج، وإرهاصات، ولا يقدر كل الناس على تحمل تلك النتائج لذا نجد أن متخذي القرارات هم القلة دائما، وكم من قرار خاطئ كان رأس صاحبه هو الثمن، وقرار آخر شجاع رفع أمة وأعز شعبا، وصنع تاريخا.

ومعنى "القرار" الذي أعنيه هو القدرة الواعية التي تُمكن المرء من الاختيار الصحيح بين البدائل، بعد موازنة المكاسب والخسائر، وفوق هذا أن يكون في الوقت المناسب.
والقرار قد يكون اختيارا بين نقيضين، خير وشر أو أبيض وأسود، وقد يكون ترجيحا بين السيئ والأسوأ أو الجيد والأجود، أو تغليب لأخف الأضرار.
وشجاعة اتخاذ القرار تنمو مع المرء منا، وتتأثر إلى حد كبير بالبيئة التي ينشأ فيها، فالشخص الذي يدفعه أبواه في بداية حياته لاتخاذ قرارات -ولو بسيطة- تعود نتائجها عليه، كاختيار ملابسه أو ألعابه، يبدأ في فهم الربط بين السبب والنتيجة، ويدرك في بداية عمره العلاقة بين اتخاذ القرار وتشكيل الواقع والمستقبل، وأن ما يفعله اليوم يتحمل نتائجه غدا، في المقابل فإن الشخص الذي ينشأ وقد تكفل أحدهم بالتفكير نيابة عنه، سيجد نفسه في مأزق كبير في بداية حياته العملية، نظرا لجهله بأمر اتخاذ القرار وطرقه السليمة.
لكن هب أنك قد ولدت في مجتمع أو بيئة لا تغرس في أبنائها أهمية اتخاذ القرار، فهل مضى الوقت لتعلم تلك المهارة وتنميتها؟ والإجابة بشكل قاطع.. كلا.




يستطيع كل واحد فينا أن ينمي لديه عادة اتخاذ القرار، وذلك عبر معرفته وإيمانه ببعض النقاط، ومنها:

1. أن المصائر تحددها القرارات: مصيرك ومستقبلك يحدده إما قرارك، وإما رؤية وقرارات الآخرين! إما أن تأخذ قرارات تخص حياتك، وتسعى لإمضائها، وإما أن تنتظر لتصبح جزءا من مخططات الآخرين، إن مصائر الأشخاص والشعوب تصنعها قراراتهم الواعية، بينما غيرهم -ممن لا يملكون اتخاذ قرار- يعيشون بلا هوية، فلا تُُرى منهم حركة، أو يسمع لهم صوت.



2. اتخاذ القرار ممارسة: يكفيك أن تعرف أصوله الرئيسة، بعدها ابدأ في الممارسة الفعلية، المعلومات المجردة لن تفيدك كثيرا، ما ينفعك حقا أن تبادر وتأخذ قراراتك الواحد تلو الآخر، بعدها ستجد أن هناك نوعا من الحكمة والفطنة قد اكتسبهما أسلوبك وطريقتك في اتخاذ القرار.

3. القرار الخاطئ أفضل من عدم اتخاذ قرار: وأقصد هنا أن اجتهادك حتى وإن كان خطأ، فإنه أفضل كثيرا من وقوفك ساكنا، وذلك لأن الخطأ يمكن تصحيحه، والتعلم منه، بينما السلبية لا تخلق لنا أي فائدة مرجوة، وقديما قال الشاعر العربي لواحد من المرتجفين السلبيين:
إذا أنت لم تنفع فضر فإنما * * * يرجى الفتى كيما يضر وينفع
أي أنك يجب أن تفعل شيئا، يجب أن تحرك الماء الساكن في حياتك، حتى وإن أخطأت وزللت، وخاب اجتهادك!

4. اتخاذ القرار هو الشرارة الأولى: يجب أن تهيئ نفسك للعمل وربما لقرارات أخرى تمليها عليك الظروف، وذلك لأنه بعد اتخاذك لقرار ما، ستحتاج إلى تنفيذ هذا القرار، ومتابعته، وبذل جهد في ذلك، لذا فيجب أن تعي أن القرار هو بداية العمل وليس نهايته، لكنه رغم ذلك هو المحدد لخط سير العمل.

نأتي الآن لنقطة هامة، وهي الآليات التي يمكننا من خلالها اتخاذ قرار سليم، وهذا أمر فصّل فيه كثيرا أساتذة الإدارة وعلم النفس، لكنني هنا أجملت الأمر في أربع محطات هامة يجب أن تمر بها عند اتخاذك لقرار حياتي:


اسأل نفسك عن الهدف: ما الذي تريده بالضبط كي تختار وفقه؟ هب أنك بصدد الاختيار بين فرصتي عمل، اكتب جيدا الأهداف التي تود أن تحققها من خلال عملك، فربما كنت بحاجة إلى الخبرة أكثر من حاجتك إلى المال، أو بحاجة إلى شركة كبيرة تفيدك في الترقي بعد ذلك وتعطي ثقلا لسيرتك الذاتية، أو التي توفر لك وقتا تستطيع أن تنهي فيه دراستك العليا، أو ربما كنت بحاجة للوظيفة التي تعطيك دخلا أكبر دون النظر لاعتبارات أخرى، حدد جيدا ما الذي تريده، كما يمكنك أن تقسم أهدافك حسب أولويتها، كأن تضع العائد المادي ثم الأقرب لمنزلك، فالتي تعطيك خبرة أكبر وهكذا، المهم يجب قبل أن تختار أن تحدد جيدا الأهداف التي ستختار على أساسها.
 اجمع المعلومات: هذا أمر جوهري في اتخاذ القرار، يجب أن تجمع كل ما تستطيع جمعه من معلومات حول الخيارات المتاحة، إن المعلومة هي التي ستحدد اختيارك، وكلما كانت معلوماتك دقيقة وثرية، أمكنك الاختيار بشكل أكثر دقة.
عند اختيارك لوظيفتك، أو سيارتك، أو تخصصك الجامعي، أو حتى شريك الحياة، المعلومات التي ستجمعها هي التي ستجعل بوصلتك ثابتة على أرض مستوية، وتقلل من نسبة الخطأ والزلل.
 الغربلة: هنا نبدأ في تبيان الإيجابيات والسلبيات، ننظر بعقلانية إلى جميع محاسن ومساوئ كل اقتراح، كما قلت هناك أوقات نكون بحاجة إلى الاختيار بين خير الخيرين، أو شر الشرين، أن نخرج بالخيار الأكثر ملاءمة لنا من دون كل الخيارات.
من الأهمية هنا أن أؤكد أن هذه المرحلة يجب أن تكون عقلانية جدا، وذلك لأن العاطفة قد تلعب دورا في تغليب خيار دون غيره، لذا فانتبه وحاول قدر استطاعتك أن تمتلك رؤية ثاقبة عملية.
 الأدوات المساعدة: ومنها الاستشارة، فمن الأهمية بمكان أن يكون لدينا أفق واسع يسمح لنا بمراجعة من نثق في رأيه أو خبرته وحكمته، ونرى ما قد يطرحه علينا من آراء، وليس في الاستشارة ما يعيب أو يشين، بالعكس إنها إما تثقل الرأي الذي اخترناه وتؤيده، وإما تلفت نظرنا لخلل أو عيب فيه لم ننتبه إليه، لكن في النهاية سيظل القرار قرارك أنت.


أيضا من الأدوات المساعدة الدعاء، وهذه أيضا من الإستراتيجيات الهامة، جميع الأديان السماوية حثت على طلب العون من الله دائما، ومن الجيد أن يسأل العبد خالقه بعد أخذه بجميع الأسباب، أن ينير بصيرته ويدله على الطريق السليم.

هذه هي الرباعية التي أرى أهمية الانتباه إليها عند اتخاذ قرار حياتي، بيد أن هناك عائقين رئيسيين سيقفان أمام اتخاذك للقرار، أحذرك منهما، وهما:

التردد: فكثيرا ما ستجد نفسك مترددا أو ربما متشككا في جدوى القرار الذي اتخذته، أو مقدار صحته، ستخبرك نفسك أن تتريث قليلا ففي التريث خير!

فاحذر من فخ التردد، نعم يجب أن تأخذ وقتك جيدا في الاختيار وجمع المعلومات وغربلتها، لكن إذا ما عزمت، فامضِ في طريقك، لا يؤخرك شيء.
التسرع والشروع في تنفيذ القرار: قبل استكمال دراسته وتمحيصه وجمع المعلومات التي تيسر اتخاذ قرار سليم.
وكلا الأمرين، التردد والتسرع، لن يجدياك نفعا.
ادرس واجمع المعلومات ووازن واستشر وخذ قرارك
 فإذا عزمت.. فتوكل على الله.
بقعة ضوء:

 الرجل الذي يصر على رؤية الوقائع بوضوح تام قبل اتخاذ القرار لا يتخذ أي قرار [هنري فريدريك أميل] 



كريم الشاذلي 
https://www.facebook.com/readpages

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق