الأحد، 29 يوليو 2012

أفضل الأعمال .. اعمال تبذل لوجه الله

يحكى أن ملك من الملوك أراد أن يبني مسجد في مدينته 

وأمر أن لا يشارك أحد في بناء هذا المسجد لا بالمال ولا بغيره


حيث يريد أن يكون هذا المسجد من ماله فقط دون مساعدة من أحد


و حذر و أنذر من أن يساعد احد في ذلك

 وفعلاً تم البدء في بناء المسجد  ووضع أسمه عليه






وفي ليلة من الليالي رأى الملك في المنام

 كأن ملك من الملائكة نزل من السماء

 فمسح أسم الملك عن المسجد وكتب أسم أمراة 

فلما أستيقظ الملك من النوم، أستيقظ مفزوع

 وأرسل جنوده ينظرونهل أسمه مازال على المسجد.

فذهبوا ورجعوا وقالوا، نعم أسمك مازال موجود ومكتوب على


المسجد وقالوا له حاشيته هذه أضغاث أحلام.


وفي الليلة الثانية رأى الملك نفس الرؤيا


 رأى ملك من الملائكة ينزل من السماء

فيمسح أسم الملك عن المسجد 

ويكتب أسم أمراة على المسجد.

وفي الصباح أستيقظ الملك وأرسل جنوده يتأكدون

 هل مازال أسمه موجود على المسجد، ذهبوا ورجعوا

 وأخبروه أن أسمه مازال هو  الموجود على المسجد.


تعجب الملك وغضب فلما كانت الليلة الثالثة تكررت الرؤيا


 فلما قامالملك من النوم قام وقد حفظ أسم المرأة

التي يكتب أسمها على المسجد فأمر جنوده بإحضار هذه المرأة.







فحضرت وكانت أمرأة عجوز فقيرة ترتعش،

 فسألها هل ساعدت في بناء مسجدي الذي يبنى؟

قالت: يا أيها الملك أنا امرأة عجوز وفقيرة وكبيرة في السن وقد 

سمعتك تنهى عن أن يساعد أحد في بناءه، فلا يمكنني أن أعصيك.



فقال لها: أسألك بالله ماذا صنعت في بناء المسجد


قالت : والله ما عملت شيء قط في بناء هذا المسجد

إلا ... 
قال الملك: نعم إلا ماذا !!





قالت : إلا أنني مررت ذات يوم من جانب المسجد


 فأذا أحد الدواب التي تحمل الأخشاب وأدوات البناء للمسجد

مربوط بحبل الى وتد في الأرض وبالقرب منه سطل به ماء

 وهذا الحيوان يريد ان يقترب من الماء ليشرب

 فلا يستطيعبسبب الحبل والعطش بلغ منه مبلغ شديد

 فقمت وقربت سطل الماء منه، فشرب من الماء 

 هذا والله الذي صنعت


فقال الملك : عملتي هذا لوجه الله، فقبل الله منك،

 وأنا عملت عملي ليقال مسجد الملك، فلم يقبل الله مني


فأمر الملك أن يكتب أسم المرأة العجوز على هذا المسجد

. أن مقياس الحياة ليس النجاح









لعنة النجاح .... من كتاب الاحلام ...


أن مقياس الحياة ليس النجاح

..
إنك قد تحصل على شهادة وتفوز بوظيفة كبيرة ولقب ونيشان

وثروة وتتزوج وتنجب أولادا وبنات ومع ذلك لا تكون قد عشت،


 لأن الحياة ليست تعيينات ولكنها انفعالات

، وقد تعيش كل هذا العمر دون أن يهزك

انفعال حاد ويفتح عينيك قلق مبهم وتصهرك لذة حامية 



إن أشرف ما فينا يعتقل في اللحظة التي نتحول فيها إلى

ناس ناجحين عمليين أولاد سوق

لأن مطامعنا الصغيرة الرخيصة تعتقل مطامعنا العالية الرفيعة 

فمثلا بحكم الوصول لابد لنا من المرونة والتكيف

 حتى لا نصطدم ونشتبك 





لابد لنا من المداهنة والمجاملة والتملق ،


لابد لنا من تجنب الصدق لأن الصدق يجرح،

وتجنب الصراحة لأن الصراحة تصدم!! 


وتجد نفسك من أجل النجاح مضطرا لأن تنافق الذين تكرههم لأن


لهم فائدة، 


لابد أن نكتم في نفوسنا أشياء لأنه لا يحسن قولها لابد أن نتنازل

عن حريتنا عن نفوسنا



وفي الوقت الذي نظن فيه أننا ننجح ونحقق أحلامنا 

إذا بنا في الحقيقة نفقد هذه الأحلام ونفقد أنفسنا

وفي مقابل ماذا ؟؟

في مقابل نجاحنا المزعوم !!!






إن الناجح الحقيقي هو ذلك الذي يصرخ منذ ميلاده


جئت إلى العالم لأختلف معه ولا يكف عن رفع يده في براءة الأطفال 


ليحطم بها كل ظلم وكل باطل




 د / مصطفى محمود

دروس الحياة يا صديقي ليست بالمجان لذا فلا تتأفف وتحزن حينما تدفع تكاليف تلك الدروس


لا تأكل نفسك .... من كتاب أفكار صغيرة لحياة كبيرة
.

يقول جون جوزيف : قرحة المعدة لا تأتي مما تأكله ، بل مما يأكلك.



إنه القلق والاكتئاب والهم والحزن هم ما يأكلون المرء منا يا صديقي. !

فالقلق يسبب توتر الأعصاب واعتلال المزاج .. 


وتوتر الأعصاب يحول العصارة الهاضمة في المعدة إلى عصارات سامة تنهش جدرانها فتصيبها بالقرحة 



،
وكثيرا من الأطباء يُرجع بعض الأمراض 
كالسكر وبعض امراض القلب وبعض أمراض المخ 


إلى القلق والاكتئاب والخوف من المجهول.


إن أكثر الأخطاء التي نرتكبها في حق أنفسنا 


هي أن نُسلم هذه النفس إلى القلق والاكتئاب ومشاعر الإخفاق والإحباط



.
كثير منا يقفون مكتوفي اليد أمام أول عقبة تعترض طريقهم ،
فيُسيلون الدمع مدرارا ، ويكتنفهم الحزن 


والألم ،وكأنهم ينتقمون من أنفسهم بالهم والأرق والاكتئاب.



وبالرغم من أن عجلة الحياة تدور .. 

إلا أننا كثيرا ما نقف عند لحظات التعاسة والشقاء ، 

ولا نعبرها إلى أيام السعادة والهناء..

نأخذ نصيبنا من الألم كاملا ولا نصبر حتى ننال حظنا من السعادة ..

ونأكل أنفسنا في شراهة عجيبة. !



كل البشر يواجهون مشاكل وعراقيل ، لكن تعاملهم مع هذه المشاكل هو الذي يحدد معدن الرجال ،
وعمق نضجهم








. إن مما يروى من حكم الأولين أن

( لا تغضب من شيء لا تستطيع تغييره) .



إن عقبات الحياة لا يجب أن نقابلها بضيق وقلق ، 


بل نأخذها على أنها دروس نتعلم منها.

لقد طبقت هذا الأمر في حياتي وهالني حجم الفوائد التي تعود علي منه 
،
فكل تجربة غير موفقة هي درس ، 


وأي خسارة يجب أن نأخذها على أنها مصل يقوينا ضد أزمات الحياة.




ودروس الحياة يا صديقي ليست بالمجان 

،
لذا فلا تتأفف وتحزن حينما تدفع تكاليف تلك الدروس 

،
بل كن واعياً نبيهاً ، وتقبل عن طيب نفس أن دفع الضرائب نظير ما أخذت وتعلمت.






وليكن ثأرك الحقيقي من ملمات الحياة ومشكلاتها هو النجاح الكاسح ،


فلا ترضى بسواه بديلا ، ليكن ردك على الخسائر بتكرار المحاولة وعدم اليأس.

أما البكاء والقلق والخوف فتلك بضاعة قليلي الحيلة والضعفاء ، 


اتركها لهم .. و لينعموا بها.






إشراقة ....
لا شئ يصيرنا عظماء مثل الألم العظيم ...أحمد أمين 




.
.
كريم الشاذلي

الاثنين، 16 يوليو 2012

..كل منا يبحث عن السعادة .. فهل تعلم ان للسعادة قوانين واسباب.. !!


..كل منا يبحث عن السعادة ..

..فهل تعلم ان للسعادة قوانين واسباب..






القوانين السبعة للسعادة:



قانون الحب:



كل شيء ينبع من الحب فأى شيء اخر لا يؤدى الى الحب فهو غير نابع من الحب


قانون التسامح:

هو اساس الطاقة المجردة لكن بلا حب لايوجد تسامح

قانون العرفان:

احلى شيء هو العرفان بالجميل لأنه يولد المودة والمحبة

قانون الإنجذاب:

أى شيء تفكر فيه وتربطه بأحاسيسك ينجذب اليك من نفس النوع

قانون الوفرة:

إعط لتاخذ

قانون العودة:

اللى بتعمله بيرجعلك بنفس النوع والطريقة

قانون السبب والتأثير:

أى سبب له تاثير عليك وعلى من حولك





الاسباب العشرة للسعادة:


1-الارتباط بالله تعالى عز وجل

2-قوة القيم العليا

3-نقاء النية والضمير

4-إدراك وتقدير القدرات الذاتية والعمل بها

5-الإتزان فى الاركان

6-السلام الداخلى

7-التسامح والعطاء ومساعدة الآخرين

8-تحديد وتحقيق الأهداف

9-العيش فى الوقت الحاضر

10-العيش بالأمل والتفاؤل





د/ ابراهيم الفقي 

الأحد، 15 يوليو 2012

هل انتهي الحب من حياتنا؟‏



سيدي‏..‏ هل انتهي الحب من حياتنا؟‏

هل كل ما يصل إلي بريدك رسائل بلا عواطف‏,‏ مشاعر قاسية‏.
خيانة وغدر وعنف بين الآباء والأبناء, وعنوسة وفساد الشباب, أو فقر ومرض ومذلة؟
 هل هذه حياتنا الآن في بريد الجمعة
 كما في صفحات الحوادث ومسلسلات التليفزيون وبرامجه الليلية الكئيبة؟
ألا توجد رسالة بين يديك تصف فيها فتاة كيف تحب فتاها وتهيم به, وكيف يستعدان للخطوبة أو الزواج؟.. ألا توجد رسالة من شاب معذب بحب فتاة, يراقبها عن بعد لسنوات أو حتي لساعات فينقبض قلبه وترتعش أطرافه, ويعجز لسانه عن الاعتراف لها بحبه؟


لا تغضب مني سيدي, فأنا لا ألومك ولا أطالبك باختلاق حكايات بعيدة عما يصل إليك, ولكني أنتمي إلي جيل عرف معني الحب, فعرف معني النجاح والعطاء, وكان للغناء كما للشعر وللرسم وللابداع مكان ومكانة في حياتنا. في الوقت نفسه أشفق علي أبناء هذا الزمن الذين فقدوا الحب, ففقدت كل الأشياء معناها, وانتشر القتل والفساد في البر والبحر.

سيدي.. لا أريد أن تتحول رسالتي إلي درس وعظ, ولا لدي الرغبة في ادعاء لن يعود علي بشيء, وصدقني رسالتي في بداية العام لها سببان:
الأول: أن أخفف عنك وعن قرائك قليلا, وأدعوهم إلي التعبير عن مشاعرهم ومحاولة احيائها إذا كانت في طريقها للموت, والخروج من دائرة طرح الأحزان والمشكلات, إلي دوائر الحب والأحلام بكل مستوياتها.
أما السبب الثاني: فهو اني حالة أو قصة تستحق أن تروي, قصة للذي أحب ولا طالش, قصة فشل ذريع لحب رائع جدا منذ أكثر من ثلاثين عاما ولم يكتمل ولن ينتهي.. فزورة هي؟.. سأحلها لكم, فعندما أتحدث عن حكايتي, تجربتي, حياتي, أشعر بنشوة وتجل وأواصل نجاحي وسعادتي, فالحب هو سر الوجود, سر الخلود.
عمري لا يفرق كثيرا, فهو يقاس بأحاسيسي التي لم تتغير, مازلت حتي الآن في منتصف العشرينيات, لا أكذب, نعم عمري الآن57 عاما وفوقها بضعة أيام, ولكني أعيش في نفس تلك الفترة التي تعلمت فيها الحب وعشته.
كان صديقا لأخي الأكبر. وعلي الرغم من أنه ينتمي إلي عائلة فقيرة في بلدتنا. إلا أنه كان مختلفا, مهندما, متفوقا, وفي عينيه نظرة انتصار غريبة.. أبي كان شخصية صارمة, مزهوا بأهله وعزوته, ولكنه طيب القلب, أما أمي فكانت متسلطة, لا تلين أبدا, واعتقد اني أخذت منها صفتها الأخيرة وإن أخذت معها من أبي طيبة القلب, عكس شقيقتي الكبري التي كانت صورة طبق الأصل من أمي, أما أخي فلم يكن له ملمح خاص, بلا شخصية تقريبا, لهذا كان أبي يفضل صحبته لهذا الصديق الذي كان يحرص أخي علي المذاكرة معه, بل كان يأمره ويفرضها عليه, فيما كانت هذه العلاقة لا تريح أمي, وتضعها هدفا لها تنفذه بصرامة بعد انتهاء الامتحانات.
طبيعي أن تتوقع اعجابي بهذا الشاب, بل افتتاني به.. كنت أتسلل في الليل لأسمع صوته الهاديء المتزن وهو يتحدث في حجرة شقيقي.. أخشي النوم فينصرف قبل أن تقع عليه عيناي.. في بداياتي الجامعية كنت.. وفي عامه الأخير كان.. وكان ما كان.
المشاعر لها رائحة تحيي قلوبا وتزكم أنوفا.. ذبذبات مشاعري كانت صارخة, وتلقيت الاشارات من نبضات قلبه, فالتقينا وكأننا ما افترقنا أبدا في تلك المدينة البعيدة, وتكررت اللقاءات وتفجرت ينابيع الحب, وإن لم نتجاوز أبدا, فأنا أعرف حدودي وهو المحترم الذي أعلن هدفه منذ اللحظة الأولي.
كان يحب الزهور مثلما أحبها, ويهوي مطاردة الفراشات, يعشق صوت فيروز في الصباح, ويستكين عصرا مع محمد عبد الوهاب, ولا ينام إلا علي صوت نجاة الصغيرة, فيما كنت أختلف عنه في حبي الأشد لأم كلثوم.
حرصنا كان شديدا حتي لا يعلم أحد بقصتنا التي ملأت عشرات الكراسات في حجرتي حتي يتم تعيينه معيدا في كليته, ليكون قادرا علي التجرؤ وطلب الزواج مني, فهو يعرف أسرتي جيدا ويعي طريقة تفكيرها. ولكن من يمكنه اخفاء الدخان إذا كانت النيران مشتعلة.
عرفت أمي بالحكاية وإن لم تعرف التفاصيل, سألتني فلم أكذب, فصفعتني وهددتني كما هددت شقيقي إذا عرف هذا الشاب أو أدخله البيت مرة أخري.
حاولت استمالة أبي إلي جانبي ولكنه انحاز إلي رأي أمي بأنه زواج غير متكافيء, ولا يليق بعائلتنا العريقة أن تصاهر مثل هذه العائلة المتواضعة.
لم أيأس سيدي, فأنا أعرف قيمة الحب وقيمة من أحب, فأعلنت التحدي, امتنعت عن الطعام ورفضت الذهاب إلي الجامعة, ولجأت لكل الأساليب بدون أن يغير هذا من موقف أسرتي شيئا. وكان حبيبي بدوره يحاول جاهدا, أتي بكبار البلد وأعلن استعداده لأي شيء يطلبونه.. قال لهم انه سيكون أستاذا بالجامعة, وأنه سيضعني علي رأسه وفي عينيه و... و.. دون أي جدوي.
سيدي.. لا أريد أن أطيل عليك, فليس الهدف من كتابتي الآن هو سرد قصة حب فاشلة لم يكتب لها الاكتمال, وإن كنت أراها مكتملة بالنسبة لي.
باختصار ـ قد يكون مخلا ـ لم أتزوجه, وظللنا نتبادل الرسائل والصور خفية لسنوات, كنت قد تخرجت وهو يستعد للحصول علي الماجستير, ومحاولاته لم تنقطع وموقف العائلة لم يتغير. وكان يمكن للأمر أن يستمر هكذا لولا أنه حصل علي منحة للدكتوراة في بريطانيا, وفكر في عدم السفر لولا أني رجوته ففعل, وكانت هذه النهاية. استسلم هو للأمر الواقع بعد يقينه بأنه لا أمل, فتزوج وهو في منتصف الثلاثينيات, أما أنا فقد أقسمت علي نفسي ألا أكون لرجل آخر غير الذي أحببت, فرفضت العرسان تباعا, وفشلت رجاءات أبي وأوامر أمي, وركزت كل طاقتي في العمل, كنت أنجح لأني أحبه, سعيدة بإحساسي الدائم والمتجدد تجاهه, كل خلاياي نشيطة ومتفتحة.
سيدي.. قد تسخر مني أو يفعل ذلك قراؤك, ولكنها الحقيقة.. وأنا ألامس الستين من عمري, وأعيش وحيدة في شقة فخيمة بعد وفاة والدي ـ سامحهما الله ـ أتشمم أخبار حبيبي وأسرته عن بعد, وأتمني له كل خير وسعادة. أشعر أنا الأخري بكل سعادة, فما أحلي أن يكون الحب بكل معناه هو دقات قلبك وأكسجين تنفسك.. بحبه أتقنت وأخلصت في حبي لله.
أشعل الشموع كل ليلة في حجرة نومي, أستمع إلي فيروز وعبد الوهاب وأفضل ـ بعد شجار يومي معه ـ أم كلثوم علي نجاة. أخذت نصيبي من الدنيا غير نادمة, فتلك السعادة قد لا تحصل عليها زوجات كثيرات عشن مع من أحببن أو بغضن.. وهذا ما قصدته ـ سيدي ـ من رسالتي, أن الاحساس بالحب هو قمة الحياة, لذا فمن يريد الحياة عليه أن يحب, ومن يحب لن يقسو أو يقتل أو يخون.. أحبكم الله وأدام لكم أحبابكم.


*سيدتي.. رسالتك غريبة, أصابتني بالارتباك حتي أني فكرت في نشرها بدون تعليق مني.. فهذه هي أنت, حالة خاصة جدا, لا نستطيع أن نخضعها لمقاييس أو ضوابط, للصواب أو الخطأ, قدرة فائقة علي التعامل مع الوحدة والحرمان.. قدرة فائقة علي الاحساس بالشبع والاكتمال والتحقق بالحب الأحادي. بالحب الداخلي العميق.. بالتعايش مع تراث من المشاعر البريئة وكراسات الغرام, فيما الطرف الثاني علي الشاطيء الآخر من النهر يعيش حياته كما استسلم لها, أتم كل المعادلات التقليدية, ولكن هل كان سعيدا, راضيا, مكتملا ومتحققا؟... الله أعلم؟
سيدتي.. لا اعتقد أنك تريدين مني قولا, فأنا أتفق معك في أن الإنسان القادر علي الحب, قادر علي الحياة وعلي النجاح.. والحب هنا ليس يأسا أو انعزالا أو انتحارا, ولكنه اختيار كامل للنجاح والحياة بالتوحد مع المشاعر الايجابية في تجاربنا.
انحيازك كان للحب, وقرارك كان عدم الزواج إلا بمن أحببت, وإلا فما معني الثنائية والتوحد. ووالداك رحلا دون أن يسرقا سعادتك الخاصة, وإن حرماك من حقك الطبيعي في الزواج وتكوين أسرة بفهمهما الخاطيء للتكافؤ, الذي يجب النظر إليه بعين واعية عميقة لمستقبل الطرف الآخر, وقدرته علي تقليل الفوارق الاجتماعية التي تبدو في أغلب الأحيان هشة وشكلية. التكافؤ يجب أن يكون في الدين والثقافة والعلم والمستقبل لا في الثروة.
ليس هذا موضوعنا.. سيدتي فلتنعمي بمشاعرك الرقيقة الفياضة والتي أغدقت علينا, فشوقتنا إلي هذه الأحاسيس الجميلة, وليت رسالتك تكون فاتحة خير, فيتبعها الأصدقاء برسائل تدعو قليلا إلي البهجة, فقد أعيتنا الآلام والأحزان..

بريد الجمعة .. عبد الوهاب مطاوع 

رائحة الحب




رائحة الحب 



دفعتني للكتابة إليك رسالة رائحة الورد للأم الأستاذة الجامعية التي تتحسر علي ابنتها التي بلغت السادسة والعشرين وأصبحت كالزهرة الفواحة جمالا ورونقا وثقافة ومركزا.. وتتساءل هل زكمت الأنوف فلم تعد تشم رائحة الورود، فلقد أردت أن أروي لهذه الأم الطيبة الحنون قصتي مع تمنياتي لها بأن يقر الله عينيها بسعادة ابنتها قريبا بإذن الله







، فأنا طبيبة في التاسعة والعشرين ولدت ونشأت في إحدي دول الخليج حيث كان أبواي يعملان ودرجت بين ثلاثة أشقاء اثنان منهم توأم ويكبرانني وشقيقة تصغرني، وبين والدين هما في نظرنا كل الحب والحنان، وقد التحق شقيقاي التوأم بالجامعة في مصر، وبعد عامين لحقت بهما أنا للدراسة بكلية الطب وبعد عامين آخرين عاد أبي وأمي لمصر والتحقت شقيقتي الصغري بالجامعة، ومرت بنا السنون وتخرج الشقيقان وارتبطا بمن اختارهما قلباهما وسافر أحدهما وهو طبيب مع زوجته إلي لندن لاستكمال دراسته هناك، وتخرجت أنا وعملت طبيبة امتياز، ووجدتني شابة في الرابعة والعشرين من العمر.. جميلة ومثقفة ومن أسرة طيبة واجتماعية ومرحة لكني لم أرتبط بأي إنسان بعد لأن ظروف دراستي شغلتني عن التفكير في الزواج.. ثم جاءتني زميلة لي لتخبرني بأنها تريد أن تخطبني لإبن خالتها وحدثتني عنه طويلاً.. وكان رأيي أنه من الضروري أن أراه ويراني هو أولا في لقاء عابر في مجال العمل حتي إذا تحقق القبول الشكلي، يقوم بزيارتنا في البيت وإذا حدث العكس لم يتعرض أحد للحرج لكنه لظروف عمله في محافظة أخري لم يتم هذا اللقاء، وجاء هو لزيارتنا في البيت بعد فترة مع أخته وزميلتي للتعارف، ووجدته شابا وسيما أنيقا وتحدثنا في أمور عامة دون التطرق إلي موضوع الخطبة، وفي اليوم التالي فجرت زميلتي في وجهي قنبلة مفاجئة حين أبلغتني أنه قد أعجب بشقيقتي ويرغب في خطبتها هي وليس في خطبتي، وكانت شقيقتي في ذلك الحين في العشرين من عمرها وطالبة في السنة الثالثة بالجامعة، ولك أن تتخيل ما شعرت به في تلك اللحظة.. فلقد شعرت أنني كمن كان يسير في طريقه آمنا وفجأة تلقي صفعة قوية دون سابق إنذار! وعدت إلي البيت باكية.. ووقفت أمام المرآة وسألت نفسي لماذا لم أعجبه؟ ولماذا استحققت منه هذه الصفعة لأنوثتي، وبعد أن تمالكت نفسي وهدأت صارحت أبي وأمي وأختي بما حدث فوجم أبواي، وثارت شقيقتي وانهالت عليه بالسخرية.. واحتضنتني وهي تقول لي لعن الله من يفرق بيننا وأصرت علي الرفض وأيدها والداي في ذلك وانتهت أولي صدماتي في هذا الموضوع.






وبعد أقل من عام تقدم شاب ممتاز لشقيقتي فرفضته بحجة أنه مازال أمامها عام دراسي آخر قبل أن تتخرج، وكاد أبي وأمي يوافقانها علي ذلك، لكني كنت علي يقين من أنها لا ترفضه بسبب الدراسة وإنما مراعاة منها لظروفي لأنني أكبرها بأربع سنوات ولم أتزوج، فبذلت كل جهدي لإقناعها بقبول هذا الشاب الممتاز حتي نجحت في ذلك وتمت الخطبة بالفعل وبعد 8 شهور فقط تم الزفاف وكنت أسعد الجميع به، وأنهيت أنا عام الامتياز بعد ان تجاوزت الخامسة والعشرين بعدة شهور ولاحظت ان الحزن يخيم علي أبي وأمي لبقائي معهما وحدي في البيت بعد أن تزوج من يكبرانني ومن تصغرني.. لكني واصلت حياتي وجاء الأحفاد ليملأوا البيت صخبا وضجيجاً وضحكاً وحباً، وأصبحت عمة لثلاثة أطفال وخالة لطفلة واحدة كما أصبحت أيضاً أتجاهل نظرات الاشفاق في عيون أبي وأمي وأخوتي حين أستغرق في مداعبة الصغار، ولم يكن ذلك يعني أنه لم يتقدم لي أحد.. وإنما فقط أنه لم يتقدم لي الشخص المناسب حتي ذلك الوقت، وشغلت نفسي بعملي.. فعملت في عيادة طبيب أطفال كبير ودرست للماجستير ورشحني الطبيب الكبير بعد فترة للعمل في مستشفي خاص، وهناك تعرفت بزميل لي وتقاربنا كثيراً وتقدم لخطبتي وسعد الجميع به وبي ودامت الخطبة عاما كاملا وبدأنا الاستعداد للزفاف.. وعقدنا القران.. وفي الاسبوع التالي مباشرة للقران تعرض خطيبي لحادث سيارة أودي بحياته رحمه الله.. وانهرت انهيارا كاملاً ودخلت المستشفي وأمضيت فيه شهرين حتي استعدت قواي ولملمت نفسي واستعنت بربي علي أمري وخرجت من المستشفي إلي منزل أصهاري فاستقبلني والد خطيبي الراحل بكل الحب الحزين والمواساة وقبل رأسي ودعا لي ربه.. ثم جاءت والدته فاستقبلتني بكل النفور ولم تتردد في أن تقول لي أنها لا تريد أن تراني بعد ذلك أبداً لأنني كنت شؤما علي ابنها الذي مات بعد عقد قراني عليه بأسبوع..


وقدرت أحزانها وغادرت بيتها مكتئبة وحزينة وعدت إلي بيتي فدخلت حجرتي واعتكفت فيها أسبوعاً لم أنقطع خلاله عن التفكير في أمري ولا عن صلاة الاستخارة لأحاول الاهتداء إلي طريقي في الحياة،




 وبعد هذا الاسبوع غادرت الحجرة بقرار أبلغت به أبي وأمي وهو أنني أريد أن أسافر إلي بريطانيا لألحق بأخي الطبيب المقيم هناك واستكمل دراستي بعيدا من ذكرياتي الحزينة وآلامي القديمة، وأيدني أخي بحرارة في ذلك واحتجت إلي جهد كبير لإقناع أبي وأمي بما أردت، حتي تركاني أسافر وابتعد عنهما وهما في شدة الجزع والاشفاق عليّ فسافرت وأنا في السابعة والعشرين واستقبلني أخي ورعاني كأنني طفلته ورعتني زوجته كما لو كنت طفلها الثالث وقررت أن أبدأ من جديد وأن أعتمد علي الله الذي لا يغفل ولا ينام فبدأت الدراسة والعمل علي الفور والتحقت بحلقة لتحفيظ القرآن الكريم بالمركز الإسلامي في لندن، والتحقت بدورة لتعليم العزف علي البيانو وشغلت نفسي بكل ذلك واستغرقت فيه ورجعت إلي طبيعتي السابقة وفي أحد أيام العمل بالمستشفي البريطاني اختلفت مع إحدي الممرضات حول أسلوب علاج أحد الأطفال المرضي فأشارت إلي الطبيب الانجليزي الذي يرأس مجموعتنا وقالت لي أنه الذي أمر بذلك.. وجاء هو علي الصوت ووجدت نفسي في مواجهة معه وحين ثرت عليه رد عليّ بهدوء أو علي الأصح بالبرود الانجليزي المعروف قائلاً في حسم أنه ينتظرني في مكتبه بعد قليل، وانصرف، وتوجهت إليه في مكتبه فقال لي أنني أخطأت بانفعالي انفعالا زائداً في هذا الأمر كما أنني قد تدخلت في تخصصه وأخطأت بأن ناقشت أسلوب العلاج أمام الطفل وأبويه مما قد يضعف ثقتهم بنا أو بالعلاج، وبعد أن أوضح لي أوجه خطئي اعتذر لي عما ضايقني به خلال الحديث وأنهي اللقاء وهممت بالإنصراف من مكتبه فإذا به يقول لي بالعربية: مع السلامة!





 فعرفت في هذه اللحظة فقط أنه مصري وأنني قد خدعت بملامحه الاوروبية فظننته انجليزيا وعلمت أنه مصري من أب مصري وأم بريطانية وان شقيقته الوحيدة متزوجة كذلك من مصري، واقترب كل منا من الآخر منذ هذه اللحظة، وازددنا تقاربا واقترابا يوما بعد يوم حتي عرفت كل شئ عنه وعن والدته الانجليزية المسلمة وعن تربيته هو وشقيقته، وانفجر ينبوع الحب في قلبي وفي قلبه في وقت واحد ففاض علي الآخر وأغرقه وعدنا لمصر معاً لكي يخطبني ويتزوجني بعد أن تجاوزت الثامنة والعشرين من العمر، ولكي يذيقني كؤوس السعادة والهناء ويغرقني في بحر حبه وحنانه، ويعوضني عن كل آلامي السابقة




 أنني أكتب لك هذه الرسالة من الاسكندرية حيث نقضي أنا وزوجي الحبيب إجازة سعيدة علي أرض مصر لكي أقول له شكراً علي كل ما أعطيتني من حب وحنان وعطاء.. وأدعو الله سبحانه وتعالي أن يبقيه لي شريكا وحبيبا وسندا في الحياة.. ولكي أخاطب الأم الطيبة كاتبة رسالة رائحة الورد وأطالبها بألا تشعر بالقلق علي ابنتها لأنها قد تجاوزت السادسة والعشرين دون ان يتقدم لها الشخص المناسب، لأن الزواج رزق ونصيب وقد كتب لها عند مولدها الزوج الذي سيشاركها حياتها فإني لم أكن لأتخيل ذات يوم أنني سوف أسافر إلي بريطانيا لكي التقي بمن يكمل معي مشوار الحياة كما أنه ليس المهم هو أن تتزوج الفتاة وإنما أن يكون من تتزوجه هو الاختيار السليم لها والذي يسعدها.. فلا داعي للقلق بشأن التوقيت.. والسلام عليكم ورحمة الله






ولكاتبة هذه الرسالة أقول: البداية الحقيقية لاتجاه المشاعر العاطفية لأي إنسان هي استثارة الاهتمام به، ولقد يتولد هذا الاهتمام بالطريقة الطبيعية أي بالتراكم الكمي للمشاعر من خلال التعامل الطويل معه كما تتجمع ذرات السكر المذاب في الماء ببطء حول الخيط المدلي في الكوب فتضع جسما بللوريا صلبا يصعب تفتيته، وقد ينشأ هذا الاهتمام في حالات أخري نادرة عن طريق الغمر الانفعالي أو الطوفان المفاجئ الذي يضع شخصا بعينه في بؤرة اهتمامنا فنرغب في التواصل معه ومن عجب أن بعض أجمل قصص الحب والزواج السعيد في الحياة قد بدأت بهذه الطريقة غير الطبيعية وليس عن طريق الاعجاب أو الانبهار اللحظي بالطرف الآخر وإنما عن طريق الضيق به.. أو الحنق عليه والرغبة في رد الإساءة إليه! وفي مثل هذه الحالات النادرة ينشغل المرء لفترة بالتفكير في رد الاساءة إلي من اقتحم بؤرة اهتمامه بالطريقة العكسية ثم لا يلبث بعد قليل أن يراجع نفسه ويبين أنه ليس بالسوء الذي ظنه به في البداية بل أنه لا يخلو كذلك من بعض ما يستحق الاعجاب به من أجله فيبدأ في التماس الأعذار له ثم التدبير نيابة عنه. ثم ينتهي به الأمر إلي الاقتراب منه والارتباط به! وهذا هو ما حدث بينك وبين زوجك الطبيب الشاب الذي وجدت نفسك في مواجهة حادة معه وانتهي الصدام بينكما باكتشاف كل منكما لمزايا الآخر والاقتراب منه والوقوع في غرامه. وهي أيضاً نفس البداية لإحدي أجمل قصص الحب العذري التي خلدتها لنا كتب الأدب وهي قصة جميل وبثينة! فلقد كانت بداية تعرفه بها صداما كهذا الصدام مع اختلاف الظروف والأزمان ولغة الحوار، وكان ميدان الموقعة في واد اسمه وادي بغيض جلس فيه جميل ذات يوم يستريح وأطلق أبله ترعي فجاءت فتاتان احداهما طويلة وجميلة، ومرت الفتاة الطويلة بجوار ناقة لجميل فأفزعتها وكان به ميل للاندفاع والكبرياء فسب الفتاة سبابا مقذعا.. وفوجئ بها لا تهرول من أمامه خجلي كما تفعل غيرها من الفتيات وإنما تقف في ثبات وترد عليه سبابه مضاعفا! وبدلا من أن يغضب جميل ويزداد حدة وعنفاً وجد نفسه يستطيب سباب هذه الفتاة ويعجب بجرأتها وشخصيتها وجمالها! وبعد أيام أخري رأها في يوم عيد سافرة الوجه كعادة الفتيات في الأعياد حين كن يخرجن سافرات الوجوه عسي أن يلتقين بأزواج المستقبل فهام بها حبا وأنشد فيها أعذب الشعر وبدأت قصة الحب التي ذاعت في البادية وحتي قرنت بين اسمي الفتي والفتاة حتي صار يعرف باسم جميل بثينة وتعرف هي باسم بثينة جميل، ولولا ان تقاليد العرب في ذلك الوقت كانت تجري علي رفض أهل الفتاة مصاهرة من يشبب بإبنتهم لتزوجا وسعدا بحياتهما إلي اليوم الاخير منها ولقد استرجع جميل ذات يوم بداية قصته معها فأنشد:


وأول ما قاد المودة بيننا


بوادي بغيض يا بثين سباب


وقلنا لها قولا فجاءت بمثله


لكل كلام يا بثين جواب!




والخلاصة هي أن الإنسان لا يعرف بالفعل أين ولا متي سوف يلتقي بأقداره في الحياة.. وهل سيكون ذلك في وادي بغيض أم في المستشفي البريطاني في عاصمة الضباب؟ وهل ستكون البداية اعجابا متبادلا أم صداما ونفورا كما حدث معك.. وكما حدث في قصص أخري من قصص الحياة وهل الخير في تأخر أقدارنا عنا أم تعجلها المجئ إلينا؟









 وكل ما نملكه هو أن نحيا حياتنا علي نحو سليم.. وأن نشغل أنفسنا دائما بالشواغل المفيدة.. وبالسعي إلي تحقيق أهداف صغيرة نستطيع بالجد والكفاح نيلها كما فعلت أنت بعد محنتك الأليمة وسفرك إلي لندن وانشغالك بالدراسة والعمل وحفظ القرآن وتعلم البيانو لأن العقل البشري إذا خلا مما يشغله استسلم لأفكاره الحزينة وهواجسه ومخاوفه واجتر آلامه واحباطاته واستغرق فيها والمهم دائما هو ألا نيأس من روح الله وألا نستسلم للقنوط.. وألا نسمح للمرارة بأن تفسد علينا أرواحنا وأوقاتنا، وألا ننشغل بحظوظ الآخرين في الحياة ونعقد المقارنات بيننا وبينهم لأن لكل إنسان من حظه ما يسعد به ومن همه ما يشقيه.. وألا نقول مع الشاعر العربي متحسرين:


تقدمتني أناس كان شوطهمُ


وراء خطوي إذا أمشي علي مهل


لأننا لا نعلم عن يقين هل الخير في مشينا الوئيد هذا أم في عدوهم هم علي الطريق؟ وهل سعدوا بما حققوه أم شقوا به؟ وهل تأخر حظوظنا هذا حرمان أبدي لنا أم هو ادخار لسعادة مؤجلة سوف تجئ في الموعد المقدور فتمحو كل الآلام وتغمرنا بكل ما نتطلع إليه من هناء





 فنهتف مع أديب الفرنسية الأشهر فيكتور هوجو: ما الحزن إلا مقدمة للسرور!



والإيمان بالله والثقة في رحمته..وسلام النفس والرضا بما أتاحته لنا الحياة هو بداية الطريق دائما يا سيدتي إلي السعادة والأمان






 فشكراً لك علي رسالتك الجميلة هذه وعلي اهتمامك النبيل بمخاطبة الأم المهمومة بمستقبل ابنتها.. وأرجو لك ولزوجك الحبيب كل السعادة والأمان والتوفيق في الحياة بإذن الله.


بريد الجمعة  .. عبد الوهاب مطاوع

الجمعة، 6 يوليو 2012

و نتحـــدث عــــن الحـــب



طاولة واحدة كانت تجمعنا في ليالي يناير الباردة، أربعة أصدقاء يتشابهون في حبهم لتناول القهوة قليلة السكر، والجدال، ويختلفون في كل ما عدا ذلك !! .

نلتقي على فترات متباعدة، كلما شعرنا بحاجة إلى أن نصب زيت الصداقة والأخوة على تروس الحياة المادية القاسية . 

فنقتطع من جسد الأيام ساعات معدودة، نتقوى بها على شدة ما نلاقي من الدهر، ونفتح فيها أبواب القلب بلا تحفظ أو مواربة .

في تلك الليلة كان شريف واجما بعض الشيء، وكالعادة ألح عليه طارق أن يفرغ ما في صدره، فالصديق وقت الضيق كما يقول المثل، وإن لم يتحدث لنا عن همة فلمن يتحدث، وهكذا أقنعه طارق أن يتكلم، ويحكي مشكلتة .

نقل بصره بيننا وهو يقول : لم يتبق على زفافي إلا أياماً معدودات كما تعلمون، لكني أشعر بأني ربما أكون قد أخطأت الاختيار، كل يوم أرى اختلافات كثيرة بيني وبين الفتاة التي اخترتها ، هي صالحة وعاقلة وبها مميزات كثيرة، 

وهذا ما يجذبني إليها، لكننا نختلف في أشياء عدة، وكلما حاولنا أن نتنازل قليلا لنقترب من بعضنا البعض، ما يلبث أن يطل سوء الفهم برأسه مرة أخرى فنختلف ونتخاصم ..! .

خيم صمت علينا، قبل أن يقول محمد محاولا كسر الشجن الذي سببته لهجة طارق الحزينة : وتريد الصمت يا صديقي، هذه أمور سهلة ولحسن الطالع أن بين ظهرانينا من يفتي في هذه المسائل، فافتنا يا كاتبنا عن معضلة أخانا .. ثم قهقة ضاحكا وهو يشير إلي .

ابتسمت قليلا وأنا أقول لطارق : أهلا بك في قطار الزواج يا عزيزي، ها أنت وقبل أن تضع قدميك فيه بدأت في مكابدة مصاعبه، وصدقني يا صاحبي إنها ألذ مصاعب وضغوط الحياة .

ثم رشفت رشفة من قهوتي وأنا أنقل بصري بين الجميع وأقول : نحن مثل أطراف المغناطيس تماما يا أصدقائي !، ننجذب إلى الطرف الذي يختلف عنا، ونتوحد معه، وهذا أمر يبدأ منذ اللحظة الأولى .

تتجلى عظمة ربنا وحكمته في لحظة بدء التكوين، فنرى السائل المنوي المتحرك، يندفع إلى البويضة الساكنة الهادئة، والتي تجتذب بثباتها أقوى حيوان منوي من ملايين الحيونات المندفعة.

فتبدأ ومنذ اللحظة الأولى وضع قواعد اللعبة، فهناك طرف ثابت وهناك آخر متحرك، هناك كثر متدافعون وهناك واحدة مترقبة في دلال !، 

ويتبقى سر انجذابهما هو الاختلاف الأبدي والفطري بينهما.

يكبر الرجل والمرأة، وتبدأ معالم الاختلاف تظهر وبشدة بينهما، ويبدأ كذلك الاختلاف بيننا في طبيعة التعامل مع هذا الاختلاف .

فمنا من يرفض رفضا تاما فكرة أن يلتقي شخصان يختلفان في أشياء عدة، ونجده يحاول بشتى الطرق أن يغير من طباع وتصرفات وميول شريك حياته، وقد يفشل في ذلك وتضطرب الحياة، وقد ينجح ويصبح الطرف الآخر فاقدا لهويته، تابعا للطرف الأول .

ومنا من يقبل بالاختلاف كأمر واقع لكنه يفشل في التعامل معه، ونجده مضطرب في حياته، ويحاول تجنب الحديث في كثير من الأمور مخافة تفجير خلاف أسري .
وهناك من يتفهم الاختلاف وينجح في التعامل معه، ويستخدمه في إثراء الحب وتغذيته .

إنه لأمر مضجر وممل أن نعيش مع شخص يشبهنا تماما!، يرى ما نرى، ويرفض ما نرفض، ويرفع إصبعه موافقا عند كل مناقشة، فهذا مما يعطي لحياتنا لونا باهتا سلبيا، قد نحبه لفترة لكننا سنمله بعد حين .

تنحنح طارق مبديا بعض الاعتراض وهو يقول : لكني عشت أسمع وأؤمن أن الاتفاق ينجب علاقة متوازنة هادئة إيجابية، وكنت أشير بحماسة وثقة إلى كل زوجين سعيدين مؤكدا على أن تفاهمهما وانسجامهما هو منبع سعادتهما الزوجية، ولم أتصور للحظة أن الاختلاف والتضاد يمكن أن ينجب علاقة سليمة!؟ .

أومأت برأسي موافقا وأنا أقول : دعني أولا أنبهك إلى أن هناك ثمة فارق دقيق ومهم بين الخلاف والاختلاف، الخلاف هو تعبير عن عدم استطاعتنا إدارة ما بيننا من وجهات نظر ورؤى مختلفة، 
فنصل إلى نقطة من عدم الاتفاق تنشئ توترا وشقاقا يؤثر في حياتنا، بينما الاختلاف هو أمر فرضته علينا طبيعتنا، 

ومن شأن من يديرهما بذكاء أن ينعم براحة وهدوء ودفء كبير، إن من نراهم حقا سعداء يختلفون مع بعضهم البعض، لكنهم يمتلكون براعة في إدارة هذا الخلاف ووضعه في مساحة لا يتخطاها، ولا تظنن أن السعادة تنتجها معادلة ( أنا أرى .. أنت توافقني على طول الخط)، وإنما معادلة ( أحبك .. حتى وإن اختلفت معك) .

لكننا نرى في كثير من الأحيان أن الاختلاف يضعف الحب بل وينهيه تماما .. قالها طارق معترضا، فقلت محاولا التوضيح أكثر : دعني أتعرض للشريحة التي تقصدها، والتي يسيء كل منهما لحبيبه عندما يختلفان .

إننا وعندما لا نحترم الاختلاف بيننا وبين شركاء حياتنا، ونراه تحديا وتعديا علينا نبدأ في فقد مساحات من الحب الذي يجمعنا .

بعدها نبدا في محاولة لإنقاذ الحب إلى سلك أحد طريقين :

الأول : أن نخرس أي صوت يدعونا لقول ما نراه، ونكبت بداخلنا مشاعرنا ـ وهذا ما تلجأ إليه عادة النساء ـ كي نُرضي الطرف الآخر، ونريه كيف أننا نحبه ونوافق على ما يقول .

والثاني : توجيه حرب شرسة ضد الطرف الآخر، في محاولة لتغييره، كي يصبح كما نحب ونريد .

وهذان الشكلان، أبدا لا يحلان القضية ..

نعم سيوجد نوع من التفاهم والتراضي، وسنجد أنفسنا سعداء أول الأمر، ظانين أننا وصلنا إلى وثيقة تفاهم مشتركة، وفي الحقيقة أن هذا يرضي إلى حد كبير العقلية العربية، التي يرفض رجالها إقتسام وجهات النظر مع النساء، ويرضى نساؤها بلعب دور الجانب الأضعف المغلوب على أمره ! .

إن الناظر في أحوالنا يرى أن كثيرامن البيوت اختارت أن تمرر الأيام، وتتفق على وضعية من الهدوء والتراضي بينهما، ترضى بأن يطغى جانب الهدوء والسلم على جانب

الحب المشتعل الدائم القائم على الإدارة الصحيحة لفن الاختلاف.
فإذا سألتني، ما الذي يوجد شقاقا ونزاعا في كثير من البيوت التي ترتفع فيها الأصوات ونرى المشاكل فيها لا تهدأ، فأخبرك أنها مقاومة الاختلاف!.

تلك المقاومة التي تنشئ أحد زوجين :

ـ إما رجل شديد، عصبي، يقاوم زوجته محاولا فرض سيطرته عليها .

ـ أو رجل حساس، هادئ ، لا يحب الاصطدام .

ويقابل هذان الصنفان صنفان من النساء :

ـ فإما إمرأة ضحية، مغلوب على أمرها، لا تملك من شأنها شيء .

ـ وإما إمرأة متمردة، قوية، ترتفع عندها ميول ذكورية، وحب للسيطرة .

هذان الصنفان من الرجال، والنساء، هما أبطال كثير من البيوت مِن حولنا، تلك البيوت التي صدمها سوء التعامل مع الاختلاف الفطري بينهما .

قاطعني أحمد معترضا على كل ما أقوله ـ كعادته ـ قائلا : حنانيك يا كاتبنا الكبير، لقدعاش آبائنا وأجدادنا تحت سماء الحب سنين طوال، بفطرتهم قبضوا على مشكلات الأيام فلم يتركوا لها مجالا لتعكير حياتهم، 

لم يحضروا وقتها دورات لتنمية الحب، أو يقرأوا كتبا عن السعادة الزوجية، فما بالك اليوم تُعقد الأمر، ليت الزمان يعود ويعود معه دفء بيوتنا، والحب البسيط الجميل، الذي نولد به ولا نتعلمه .

فأجبته : كلامك منطقي يا صديقي، لولا أنك أغفلت حقائق في غاية الأهمية، أولها أن زماننا تغير، وتغيرت معه مفاهيم كثيرة، 

طغت المادة على الروح، فلم تترك لمشاعرنا متنفسا لتعلن عن نفسها، وتغيرت المرأة كثيرا، فلم تعد تلك الفتاة التي تنتظر في بيتها إلى أن يأتي (ابن الحلال) ليحملها معه إلى بيته، 

راضية بالقليل الذي يعطيه لها، قائمة على خدمته، حامدة ربها على ابتسامة الرضا التي قد يعطيها لها بين حين وآخر.

لقد أصبح المرء منا أكثر وعيا باحتياجاته العاطفية، مستعدا لطلبها، معلنا التمرد إذا ما انتقص منها شيء، فكان لا بد أن نتعلم كيف نعلن عن حاجتنا بشكل صحيح، ومطلبها بأدب، وكذلك كيف نتعامل مع حاجيات شريك الحياة، فلا نظلمه أو ننقصه من حقه شيئا .

وها هو العلم صار قادرا على إعطائنا المعلومات التي تزيد من كفائتنا، وقوتنا، وتعيدنا إلى طبيعتنا التي نسيناها .

عدت بنظري إلى صديقي طارق وأنا أقول : إن من يحب ينبغي أن يتفهم من يحبه، ويتقبله كما هو، إننا لسنا بالكمال الذي نظنه، ولا يجب أن نفترض كذلك المثالية في الطرف الآخر، 

عندما نتحاور مؤمنين بقوة اختلافنا، نرسل رسالة إلى الطرف الآخر مفادها أننا نحبه ونحترمه، بينما ضجرنا من أي نقاش وخلاف، ومحاولة إنهائه قبل أن يبدأ هو في الحقيقة إشارة إلى تعصبنا وتعنتنا الفكري .

فلا تحزن يا صديقي عندما تصطدم باختلاف فكري أو نفسي ..
وحاول أن تفتح عقلك أكثر .. فأكثر .



كريم الشاذلي