الجمعة، 5 يونيو 2015

بر الوالدين

من تجارب الحياة 

بر الوالدين قصة تكتبها أنت ويرويها لك أبنائك فأحسن الكتابة 



مرت حنان الحربي بأزمة نفسية كبيرة إثر إصابة والدتها بالفشل الكلوي، كانت تتألم أكثر من والدتها، تشعر أمها بألم من مكان واحد لكن هي تحس بآلام عديدة من أماكن متفرقة لا تستطيع العثور عليها، آلام لا تسكن جسدها، وإنما روحها، تتفاقم آلامها عند مرافقتها لأمها لمدة أربع ساعات ثلاث مرات أسبوعيا في عيادة غسل الكلى، الأسوأ من العيادة هو الطريق إليها، إذ يتكدس حزن العالم حشودا في أعماق أمها، فيجعل الرحلة إلى العيادة عذابا طويلا تتجرعه حنان وهي ترى أمها تسير بتثاقل وبطء ومرارة.
تزداد أوجاعهما عندما تصاب الأم بفيروس مكان القسطرة أو نتيجة سحب السوائل الزائدة ومضاعفاتها، تنهار حنان أمام مشهد والدتها وهي تذبل بسبب تداعيات الغسل الذي حول المنزل إلى مشفى صغير يكتظ بالأدوية والآهات.
لم تستطع حنان إزاء تدهور صحة أمها ونفسيتها إلا أن تبذل كل ما وفي سعها لوضع حد لمعاناة نوارة فألها، أجرت الفحوص الطبية لتتأكد من إمكانية أن تتبرع بكلية لأمها. بعد نحو أربعة أشهر من الفحوص والتحاليل تلقت النبأ السعيد بملاءمتها للتبرع.
تحدد موعد عملية التبرع بعد عدة أسابيع، كان أجمل يوم لحنان، استيقظت فجرا، صلت ركعتين وشعرت بارتياح كبير، ذهبت وأمها إلى المستشفى بسلاسة على عكس رحلاتهما الشاقة إلى عيادة الغسل.

بعد خمس ساعات من العملية استيقظت حنان وشعرت بخدر خفيف وسعادة هائلة، ربتت الممرضة على كتفها تهنئها بسلامتها ونجاح العملية داعية لها بزوج صالح، بعد يومين من إجراء العملية سمح لها بزيارة أمها، كانت معنوياتها مرتفعة، فور أن تعانقت نظراتهما تعانق جسداهما دخلتا في نوبة بكاء مشتركة سمع صداها كل الغرف المجاورة.

اليوم تحتفل حنان بمرور أكثر من سبعة أشهر على عملية تبرعها. الأم بخير والابنة كذلك. أصبحت حنان أكثر توفيقا ونجاحا، رزقها الله وظيفة ممتازة في شركة تسويق ناجحة في الشبكات الاجتماعية وتعمل على مشروع لتوثيق تجارب المتبرعين بخطى متسارعة، والأهم من ذلك أن قطعة منها تنبض داخل جسد أمها، فهي أوفر حظا من معظمنا، فلا تنال شرف النوم في حضن أمها فحسب، بل تنام في أعماقها أيضا.
البر بالوالدين لا يمنحك التوفيق فحسب، بل سعادة لا يتذوقها سوى من أخلص لهما.
عبدالله المغلوث

"وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ 
الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا  وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا " 
سورة الإسراء  
إشراقة 
إذا جعلك والديك اميرا مدللا فى صغرك فأجعلهم ملوكا فى كبرك 





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق