الأحد، 10 مايو 2015

كيف تتغير النفوس بالحب

تجارب من الحياة 





أعرف شابا صيني الأصل بوذي المعتقد مقيما في ماليزيا تعرف على فتاة ماليزية فأحبها، فلما عرض عليها الزواج قالت له: إن ديني لا يسمح لي بأن أتزوج رجلا غير مسلم، فإما أن تسلم أو أعتذر لك عن عدم قبول الزواج،


فقرر أن يدخل في الإسلام من بوابة الحب حتى يتمكن من زواجها، التقيت بهذا الشاب عندما كنت في ماليزيا واستمعت لقصة حبه ودخوله في الإسلام بجميع تفاصيلها، وكانت زوجته معنا في اللقاء وتأكد علي كل ما قاله في قصة زواجهما،

 فسألته: وهل كنت مقتنعا بالإسلام عندما دخلت فيه؟ قال: في البداية لم أكن مقتنعا بالإسلام، ولكن كان هدفي أولا هو الزواج بمن أحببت، ولكني أعلنها اليوم بكل صراحة بعد مضي أكثر من عشر سنوات على زواجنا أني أحمد الله أني دخلت في الإسلام، فقد اكتشفت أنه دين عظيم وجميل ومريح ويسير، فاتخذت قرارا بأن أذهب للسعودية لتعلم اللغة العربية حتى أفهم القرآن جيدا، فلما تمكنت من اللغة العربية وفهمت القرآن، تأثرت كثيرا بالقرآن وعلمت أنه كتاب عظيم،

 فقد غير سلوكي وعقيدتي وأخلاقي وحتى نظرتي للحياة، ثم التفت إلى زوجته وقال: إن هذه الزوجة هي سبب سعادتي في الحياة وستكون أيضا سبب سعادتي في الآخرة إن شاء الله لأنها هي سبب دخولي في الإسلام، ثم علمت بعد ذلك أن هذا الرجل له أثر كبير على الصينيين في ماليزيا وقد أسلم على يديه المئات من الناس، وكل ذلك في ميزان حسنات تلك الزوجة.


إن أقوى مفتاح للتغيير هو «الحب» وليس العنف أو الغضب أو العصبية أو حتى القانون، فما الذي يجعل الصائم يغير من سلوكه في الطعام فيصبر أكثر من خمس عشرة ساعة لا يأكل فيها ويعاني الجوع والعطش؟ وما الذي يجعل المسلم يقطع عمله أو اجتماعه من أجل أن يصلي لله ركعات؟ وما الذي يجعل المرأة أن تصبر على حجابها الذي على رأسها وخاصة في بلادنا الحارة؟ وما الذي يجعل الإنسان يسامح ويعفو عندما يخطئ في حقه الناس؟ إنه الحب، فحب الله ورسوله، وحب رضا الله ورسوله هو الذي يجعل الإنسان يصبر على هذه الأعمال كلها ويحب أن يضحي من أجلهما، بل ويقدم نفسه وروحه في سبيلهما.

ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يركز على «الحب» في كل أعماله وحتي أثناء تأسيس الدولة، فإن أول عملين عملهما النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة عند تأسيس الدولة، المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار وبناء المسجد، فأما الأول فهو تأسيس للحب في العلاقات الاجتماعية حتى يتماسك المجتمع ويستقر، والثاني هو تأسيس لمنهج حب الله تعالى وتقوية العلاقة به من خلال الارتباط بالمسجد.

وأذكر مرة اشتكت لي امرأة من سلوك سيئ يفعله زوجها فقلت لها غيريه «بالحب»، وأب حاول أن يمنع ولده من التدخين فلم يستطع، فقلت له: استثمر «الحب» في تغيير ابنك، فقوى علاقته به وصار الحب قويا بينهما فاستثمر ذلك بقوله له: إن كنت تحبني اترك التدخين، فربط الحب بترك التدخين، وكانت المفاجأة أن الابن ترك التدخين بعد فترة من الزمن، ومحاضر تحدث أمام فتيات غير محجبات بمحاضرة عن الإيمان وحلاوته، وعن كرم الله ولطفه لعبده، فقامت إحدى الفتيات وقالت له: أول مرة يأتينا شيخ لا يحدثنا عن الحجاب، فرد عليها قائلا: أنا تحدثت معكن عن حلاوة الإيمان وحب الله تعالى، فإذا شعرت الفتاة بحلاوة الإيمان وصار حب الله في قلبها، فإنها ستتحجب من غير أن يأمرها أحد بالحجاب، لأنها أحبت الله ومن يحب فإنه يطيع من أحبه، وكما قيل «إن المحب لمن يحب مطيع» وهو جزء من أبيات شعر جميلة نسبت للشافعي رحمه الله وهي «تعصي الإله وأنت تظهر حبه.. هذا محال في القياس بديع، لو كان حبك صادقا لأطعته.. إن المحب لمن يحب مطيع».

إن قصة الشاب الصيني هذه تذكرني بقصة مشابهة لها حصلت في زمن الصحابة رضي الله عنهم مع الطفيل بن عمر الدوسي عندما دخل في الإسلام فجاءته امرأته لكي تقترب منه فمنعها وقال: لقد أصبحت علي حرام، قالت: ولم؟ قال: أسلمت، فكان ردها: أنا منك وأنت مني وديني دينك، فأسلمت، وقصص كثيرة في استثمار الحب للدخول في الإسلام في عصر الصحابة رضي الله عنهم، ومنها قصة أم بنت الحرث بن هشام فقد أسلمت يوم الفتح بمكة، وهرب زوجها عكرمة بن أبي جهل من الإسلام حتى قدم اليمن، فلم تتركه وارتحلت إليه حتى قدمت عليه باليمن فدعته إلى الإسلام، فأسلم على يديها ثم قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم مسلما، وقصة ثالثة لأم سليم عندما جاء أبوطلحة ليتزوجها وهو مشرك فأبت وقالت له: إن أسلمت تزوجتك وصداقي إسلامك: فأسلم أبو طلحة رضي الله عنه فتزوجته.

فهناك طريقتان لتغيير النفوس والعقول: الأولى من خلال «الحب» والثانية «بالترغيب والترهيب» وكلتاهما يغيران السلوك والنفوس، ولكن الحب أثره أكبر ومفعول التغيير فيه أطول، بينما الترغيب والترهيب أثره سريع وعمره قصير.

جاسم المطوع

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق