الأحد، 19 يونيو 2016

الضحك وسط الأزمة فن ومهارة


إن الضحك والفكاهة من نعم الله تعالى علينا لنشعر بالسعادة والأنس، فالمجلس الفكاهي يريح الأعصاب ويؤنس النفس ويزيل التوتر، وكلما كان الإنسان جادا فقد الأنس بالحياة، ففي الابتسامة راحة وفي الضحك استراحة، ومن المهارات التي نوصي بها للتخفيف عن أحزاننا وضغوط الحياة أن نستقبل المواقف الصعبة بالضحك والطرفة لنخفف من صعوبتها ووقعها على النفس، وهذه المهارة تحتاج إلى تدريب في الكبر أو تربية منذ الصغر.

 وقد كان علماؤنا يستخدمون هذا الأسلوب، فقد قيل للشعبي: ما اسم امرأة إبليس؟ فقال: ذلك نكاح لم أشهده، فخرج من الموقف الحرج بطرفة ذكية وانتهى الموقف، بينما كان بإمكانه أن يقول للسائل: أنت تستهزئ بي بهذا السؤال؟ فيصعد الموقف ويوتر العلاقة، ولكنه أدار الموقف الصعب بمزحة خفيفة، وفي يوم اعترض على كثرة مزاحه رجل فرد عليه: لو لم نمزح لمتنا بالهمّ، فالمهارة التي نتحدث عنها ليست بالأمر الجديد، فقد كان علماؤنا يستخدمونها، بل حتى الصغار يستخدمونها فقد أراد غلام أن يطلب العمل من رجل فسأله الرجل: بكم تعمل عندي؟ فأجاب الغلام: أن تكفيني طعامي، فقال الرجل: هذا كثير، فرد الغلام: إذن أصوم الإثنين والخميس، وانتهى الموقف بطرفة ونال الغلام ما يريد.

وأذكر يوما دخلت علي امرأة تشتكي من زوجها وتطلب الاستشارة في كيفية التعامل معه، فقالت لي: إن والدي بخيل وكان كثيرا ما يغضب على أمي، وأحيانا يضربها وفيه سلبيات كثيرة إلا أن أمي صابرة ومحتسبة، ودائما تأخذ المشاكل الصعبة بالطرفة والفكاهة وتقول «أنا سأدخل الجنة مع زوجة فرعون»، وكنا نضحك ونحن صغار عندما نسمعها تردد هذه العبارة، ثم تضيف وتقول: ويقدر الله لي أن أتزوج منذ عشر سنوات برجل مثل أبي، ومثل سلبياته فصرت أجلس كل يوم مع أمي وأقول لها ممازحة «يا ماما صرنا اثنتين ندخل الجنة مع زوجة فرعون»، فنضحك جميعا على أزواجنا، فابتسمت لما قالت وقلت لها: إن ما تفعلينه أنت وأمك سيقودكما للصحة النفسية والسلامة القلبية، وهو أفضل ردة فعل للمشكلات الزوجية، فقالت نعم هذا ما نشعر به والحمد لله.

إن الضحك والفكاهة وقت الأزمة فن ومهارة، وخاصة لو استخدمنا هذا التكنيك في علاقاتنا الزوجية أو التربوية، فإن الحياة ستبدو أمامنا مختلفة، وقد تحدث القدماء عن هذا الفن فقيل لسقراط: «من هي أعظم امرأة في نظرك؟ فأجاب: هي التي تعلمنا كيف نحب ونحن نكره، وكيف نضحك ونحن نتألم». 

عندما نضحك على أخطائنا أو نتعامل مع قسوة غيرنا بالفكاهة والطرفة فإننا نخفف الضغط على ذواتنا ونريح أنفسنا، ولهذا شجع الخليل بن أحمد الفكاهة قائلا: «الناس في سجن ما لم يتمازحوا»، والقرآن الكريم تعرض لموقف زوجي ضحكت فيه سارة زوجة إبراهيم عليه السلام عندما قدم إليه الضيوف وهم الملائكة ولم يمدوا أيديهم للأكل، فخاف منهم إبراهيم، فلما علم أنهم رسل الله فرح هو وضحكت هي، وقد قال تعالى «فلما رأى أيديهم لا تصل إليه (أي للعجل) نكرهم، وأوجس منهم خيفة، قالوا: لا تخف إنا أرسلنا إلى قوم لوط، وامرأته قائمة فضحكت فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب»، فالبشرى جاءتها بعد الضحك، ورسولنا الكريم يدعو كل زوجين للضحك كذلك، ويقول «وإنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها، حتى اللقمة تضعها في فم امرأتك»، ومعلوم أن اللقمة توضع بالفم مع الدعابة والكلمة والغمزة والتعليق والضحك. 

فإدارة المواقف الصعبة بالضحك والطرفة مهارة لو أتقناها لتغيرت حياتنا، وأذكر أن رجلا قال لي إن زوجتي سليطة اللسان بذيئة الألفاظ، وكلما أخطأت علي أقول لها أنت دليل على أن تربية النفس صعبة، والتحكم بالسلوك يحتاج إلى جهاد، فتضحك هي وأضحك أنا وننسى الموقف، وقد قيل «تزوج ولا تتردد فإذا وفقت لفتاة تسعدك كنت سعيدا، وإن تزوجت من تنكد عليك حياتك صرت فيلسوفا، وفي كلتا الحالتين أنت سعيد»، فلنحاول أن نتعلم هذا الأسلوب، وقد قيل: إن بشاشة الوجه عطية ثانية.
جاسم المطوع

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق