الخميس، 20 نوفمبر 2014

الحب هو القضية

ّ
الحب هو القضية الكبرى

بنظرة عميقة يمكننا التأكيد على أنه ما من عظيم، ولا نبيل، ولا قدوة، إلا وكان يملك بداخله حباً جارفا للبشرية، دفعه دفعا لنجدتها والسهر على التفكير في كيفية إنقاذها .

الحب الذي لا يمكن أن ينبع إلا من نفس تحب نفسها، وتقدر ذاتها، وتؤمن بنبل ما تحمل..
نعم حب ينبع من نفس تحب نفسها ..!
لا عجب، فإنها تحب نفسها حبا ينبع من تقدير شخصي،

 واستشعار قوي بأنها صنيعة رب عظيم، أتى بها لهدف هام وكبير .

قالوا قديما : فاقد الشيء لا يعطيه ..
فلا بد إذن قبل أن ننطلق لننثر على الناس باقات الحب والخير، أن نملئ قلوبنا حباً وخيرا ..
وأول نضوح لهذا الحب يجب أن يكون ذاتيا، يجب أن توجهه لروحك، ولنفسك ..




هل لديك أرشيف من الذنوب، وسجل ممتلئ بالخطايا، وتاريخ مؤلم من السقطات ..
لا عليك .. ولماذا خلق الله الاستغفار والتوبة إذن ..
صدقني كل هذا لن يعقوك في طريق اكتشاف عظمتك، وإعادة تأهيل مواهبك وقدراتك لتصبح في خدمة الخير ..
صدقني ..
إنك يا صاحبي شخص جميل .. شخص رائع .. شخص طيب وعظيم .
مهما كانت أخطائك وهفواتك وزلاتك، إلا أن الخير الذي بداخلك والذي يضج مضجعك دائما لتكون رائعا وعظيما سينتصر .
وكأني بك تقول : لكن تاريخي المؤلم يطاردني، وهفواتي تشوش الرؤية من أمام ناظري، وشياطين الإنس والجن تسحب الأرض من تحت قدمي ..
وأرد عليك بقولي : ليكن ...!
مهما حاولت قوى الشر من حولك عرقتلك عن بلوغ هذه المنزلة، ستبلغها برصيد الخير الذي بداخلك، ستبلغها باستغفارك الدائم، وإنابتك المستمرة، وركونك إلى جنب الله حتى وإن بعدت عنه لفترة أو فترات ..
اربت بيد حانية تحركها مشاعر الحب على نفسك الجزعة،


 ثق في نفسك، ثق في مخزون الحب والخير الذي بداخلها ..املء خزان قلبك بالثقة، والحب، والتفاؤل … فتلك هي الخطوة الأولى 

وقلب نظرك في سير العظماء .. ستجد أن شعاع العظمة لديهم لم ينطلق إلا من روح مليئة بالقوة والتفاؤل والحب، مِن تصالح مذهل مع الذات، وتقدير خالص لها، وعلى العكس، ما من طاغية او شرير إلا وستفجئك مساحة الظلام بداخله، وخراب لا يمكن تصوره بقلبه، ونزوع للعظمة المتوهمة التي يداري بها في الغالب استهتار واستخفاف شديد بالذات .

بالحب يا صاحبي سنواجه شركائنا في الحياة، وبه سنواجه خصومنا كذلك ..!

وقف صحابة النبي يوما متألمين مما ينالهم من طغيان قوى الشر، ثم قالوا لنبيهم عليه الصلاة والسلام : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! ادْعُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ؟
فقَالَ لهم : إِنِّي لَمْ أُبْعَثْ لَعَّانًا ، وَإِنَّمَا بُعِثْتُ رَحْمَةً . رواه مسلم .


والرحمة لا تنبع إلا من قلب .. يحب، ويرفق، ويعذر، ويتغاضى، وينسى .


هل تحب أن تكون عظيما يا صاحبي، عليك إذن أن تدفع بعضا من ضرائب العظمة، وأولها أن تكون نوازع الخير والحب بداخلك أقوى وأكبر من نوازع الشر في نفوس الآخرين ..
أن تحب من زهد الناس حبهم هو الدليل على أنك .. إنسان ..
أن تحنو على العصاة المذنبين ..
أن تحنو على من تلوثوا في مستنقع الرزيلة والسوء والشر ..
أن تحمل هم إجلاء الغبار الذي تُخلفه الحياة بشراستها على القلوب لتكتشف الجواهر المخبوءة في نفوس بشر لم يكن أحد يتصور قط أن بها ثمة خير ..





ليس بالشيء الكبير أن تحب من يحبك، أن تحترم من يحترمك، أن تجالس من هذبته المدرسة، ورباه أبواه، وتعهدته الأيام بأحسن أحوالها ..!
إنما الشيء الكبير حقا أن تهبط إلى الأرض غير مبالي بما فيها من أوساخ، أن تشمر الساعد، وتمضي بخطوات واثقة، لتنقذ هذا وذاك ممن لا يلتفت إليهم أحد .


العظيم حقا هو من يعرف كيف يحب .. بدون مقابل .
كيف يعطي دون انتظار لثمن ..
كيف يطالع كتاب الحياة فيختار أشده فصوله بأسا،

فيتوكل على ربه، ويشمر ساعده، ويوقظ ذهنه، ويلهب عزمه، ليفك طلاسمه، ويقرأه للناس 

المثل الإنجليزي يقول
قد تستطيع أن تجبر الحصان أن يذهب للنهر ، لكنك أبدأ لن تستطيع أن تجبره أن يشرب منه

كذلك البشر يا صديقي ، يمكنك إرهابهم وإخافتهم بسطوة أو مُلك ،

 لكنك أبدأ لن تستطيع أن تسكن في قلوبهم إلا بدفء مشاعرك ، وصفاء قلبك ، ونقاء روحك .

رسولنا يخبر الطامح لكسب قلوب الناس بأهمية المشاعر والأحاسيس ،فيقول :
إنكم لن تسعوا الناس باموالكم ولكن يسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق


قلبك هو المغناطيس الذي يجذب الناس ، فلا تدع بينه وبين قلب من تحب حائلاً

كريم الشاذلي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق