الاثنين، 21 أبريل 2014

شجرة السعادة


مذ شحّ في حياتنا الفرح ، أغدقت علينا الحياة بوابل الأمنيات . لكأن السعادة مطلب مرهون بالأعياد والمناسبات ، التي تُذكِّرنا بفداحة خساراتنا السابقة ، وتُمنِّينا بأوقات أكثر بهجة . 


إشكالية السعادة تكمن في عجزها عن الإمساك بالحاضر ، لذا قدرها أن تكون عصفوراً معلَّقاً على أغصان الذكرى ، أو طائراً يبني عشه على شجرة الترقّب .

ماذا لو لم تكن السعادة سوى في انشغالنا بإعداد عش الأمنيات ؟ ذلك الأحمق الذي قال : "عصفور في اليد أفضل من عشرة على الشجرة" ، أظنه كان طبّاخاً ، يستعجل طهي أحلامه ، ويفشل في إعداد مائدة حياته . أو لعلّه صيرفي ، يعمل في بورصة الدواجن . لو كان شاعراً لأدرك أنّ السعادة ، هي المساحة الفاصلة بيننا وبين الشجرة المورقة لأوهامنا ، التي تزقزق فيها عصافير أحلامنا الورديّة..

السعادة تحتاج إلى جناحين ، كي تطير بنا ، لكنها طائر لايحطّ طويلا ، هو دوماً على أُهبة الإفلات من يدنا ، عند أوّل سهو ، وعلينا أن نعيشها كلحظة شاهقة ، مهدّدة بالسقوط .
بعضنا يتسلّق شجرة المصادفة ، ويتعلّق بأغصانها ، وقد يقع أرضاً ويُصاب بخدوش أو كسر ما ، وهو يُطارد طائراً لن يمسك به . ثمّ ، قد يحدث أن يحطّ ذلك الطائر يوماً على “ درابزين ” شرفته ، أو يذهب حدّ تناول ما تساقط أرضاً ، من فتات عند أقدام مائدته . وتغدو السعادة عندئذ مرهونة بِتَنبُّه المرء إلى وجودها.. عند قدميه




من هنا جاءت نصيحة أحد الحكماء " السعادة في بيتك فلا تبحث عنها في حديقة الآخرين " . لكن العشب في حديقة الجيران يبدو لنا دائماً أكثر اخضراراً ، حسب مثل آخر . ذلك أننا كثيراً ما لا نِتنَبّه إلى الأشياء ، التي تصنع سعادتنا ، لمجرّد أنها في متناولنا وملك أيدينا ، وننصرف عنها إلى مراقبة وتمنّي ما هو في حوزة الآخرين ، بينما معجزة السعادة تكمن في مواصلة اشتهاء ما نملك والحفاظ عليه ، كأنه مهدّد بالزوال ، بدل هدر العمر في مُطاردة ، ما قد يصنع تعاستنا ، إنْ نحنُ حصلنا عليه .
ألم يقل أوسكار وايلد " ثـمَّــة مصيبتان في الحياة : الأُولــى أن لا تحصل على ما تريد.. والثانية أن تحصل عليه ".
قول قد يرفع من معنوياتنا ، لكونه يواسي خسارات بعضنا ، بمكاسب البعض الآخر، التي قد لا تكون في حقيقتها سوى ضرب من ضروب الخسارة ، كما يبدو من إحدى الدراسات الإنسانية ، التي تمّ إعدادها مؤخراً في إسبانيا ، بعد متابعة متأنّية لـ300 ثري إسباني ، أثبت من خلالها الباحثون ، أنّ " الشباب والصحة ، والوظيفة والملامح الجميلة ، والسيارة الفارهة، كلّها لا تجعل الإنسان سعيداً "


وأكد الأثرياء  أنهم لا يشعرون بالسعادة والأمان ، وأنّ الناس ينظرون إليهم بالإعجاب ، لا لشيء إلاَّ لأنهم أغنياء فقط ، مؤكدين أن السعادة لا تُشترى بالمال ، وأنّ مَن يبحث عنها ، لن يجدها إلاّ في العلاقات الإنسانية ، والمباهج البسيطة للحياة اليوميّة ، وهو ما يفتقدونه ، بسبب الثراء الفاحش ، الذي يعرّضهم لمستويات عالية من القلق ، لإحساسهم بأن لا أحد يحبّهم لأنفسهم ، وبأن الأقارب والأصدقاء يستغلّونهم .
اعتراف يجعلنا ، لفظاعته ، نصدّق قول الشاعر :
" كلُّ مَن لاقيت يشكو دهره/ ليت شعري هذه الدنيا لمن ؟ "
وماذا لو كانت الدنيا مِلكاً للذي يملك الأقل ؟ ففي إحصائيّة عالمية أُخرى ، أُجريت في اثنين وعشرين بلداً ، بيَّنت الدراسة أنّ عوامل السعادة ، التي نالت أكثر النِّسب ، انحصرت في عاملي الأُسرة والصداقة ، وتساوَى فيها تأثير الفقر والغنى . والمفارقة جاءت من وجود الشعب الهندي في المرتبة الثانية ، بعد الشعب الأميركي ، متقدماً على غيره من الشعوب الأوروبية والآسيوية . ولم أجد تفسيراً لسعادة ملايين الجياع والفقراء في الهند ، إلاّ في قول جيمس بروير:

 " السعادة إحساس تحصل عليه ، عندما تكون مشغولاً ، لدرجة لا تستطيع معها أن تحزن ".
لذا قرّرت أن أشغل نفسي بإنجاز كتب أكثر !


أحلام مستغانمي

هناك تعليق واحد: