الجمعة، 24 أبريل 2015

ما أجمل الحب بين البشر



من أعظم مسببات السعادة أن يحيط بنا من يحبنا الحب الصادق النزيه الخالي من المصلحة المجرد من حظوظ النفس وما أروع العيش بصحبة بشر يعتنون بمشاعرك ويراعون خاطرك، يقاسمونك الهم فيتفتت ويشاطرونك الفرح .



ذكر الأديب عبدالوهاب مطاوع قصة للممثلة الشهيرة سالسيت تالبرت عندما سطع نجمها وارتفع ذكرها وملكت قلوب الملايين حيث حدث لها موقف زلزل كيانها وهدَّ روحها ونكّد عيشها حيث هجرها زوجها الذي كان نجما زاهراً في حياتها دون مقدمات، وما كان للشهرة والمال أي قيمة بعد الموقف فانكفأت على نفسها حائرة الطرف ذاهلة القلب لا تذوق كرى ولا يطمئن جنبها إلى مضجع، وغدا عقلها مشتتاً عليلاً لايجود إلا بسقيم الخواطر ومرّ الذكريات، ولم ينقذها إلا صديقة وفية لها أصرت على مرافقتها لأحد الأسواق المكتظة لأمر قد زورته في نفسها تريد أن تزايل معه صاحبتها قمقمها الكئيب، وفي السوق وبينما كانت (سالسيت) تصعد على السلم المتحرك كان الصديقة تنزل وعندما التقيا في المنتصف صرخت الصديقة: النجمة (سالسيت) هنا !وكأنها لا تعرفها - تريد بهذا تنبيه الآخرين على وجود النجمة - وماهي إلا دقائق حتى التم الجميع حولها يثنون ويهدون ويطلبون توقيع والتقاط الصور، وبعد دقائق تغيرت نفسيتها وتهلل وجهها وكأنما بثت فيها روح أخرى حيث ترنحت أعطافها ترنح الرضا والاستبشار، وفي تلك الأثناء غادرت الصديقة الوفية بعد أن أدت دورا عظيما في علاج النجمة وإطلاقها من عقال الهم !


ومغزى هذا المشهد الأخاذ هو الأثر البالغ لمن حولنا علينا فمن أعظم مسببات السعادة أن يحيط بنا من يحبنا الحب الصادق النزيه الخالي من المصلحة المجرد من حظوظ النفس، فالصحارى القاحلة بقربهم تستحيل ربيعا مزهرا والرياح العاتية تنقلب لنسيم عليل، فما ألذ العيش وسط أشخاص يخافون عليك ويفتقدونك ويدافعون عنك ويبذلون لك الغالي والنفيس، وما أروع العيش بصحبة بشر يعتنون بمشاعرك ويراعون خاطرك، يقاسمونك الهم فيتفتت ويشاطرونك الفرح فيتعاظم، يتهللون لرؤيتك ويأنسون لحديثك، يدمحون الزلة ويغضون الطرف عن التوافه، قلوبهم مستودع كبير قد عمروه لك حبا وتقديرا وإعجابا، حديثهم لحن شجي يحرك كوامن الشجن والإحساس!.
مجالستهم بل وذكرهم وطيفهم الجميل نستعيد بها ابتسامتنا المفقودة، أحبة يملؤون القلب سرورا والنفس لذة ونورا، لايحملون غلا ولا يخفون حقدا ولا يلوحون بهجر، يحبسون ألسنتهم ولا يجرونها فيما يكدرنا أو تضيق به نفوسنا، يبسطون لنا جناح الحنان والرفق ويحدبون علينا بما يحملون في جوانبهم من قلوب كبيرة، أخلاقهم أسلس وألين من أعطاف النسيم، وفي المقابل ما أطول ليل من يحيط به متربصون ويعاشره حاقدون وابتلي بضعافلنفس فلا تجده إلا متحفزا قد وضع أصبعه على الزناد وهيأ مخالبه للدفاع، وعشرة هؤلاء كما يصف مطاوع تجعل من الإنسان المتحضر إنسانا بدائيا قد أمسك بهراوته متأهبا لصد أي اعتداء!
فإن أردت أن تسعد فدونك (السلم الكهربائي) وأحط نفسك بمن يحبك واحضنهم بروحك ولتحتم بهم من غربة الروح ومن شر الكائدين ومن أصحاب النفوس الضعيفة فما أجمل الحب بين البشر ولو عمَّ لأقفرت الجفون من الدمع وسكنت الجنوب في المضاجع فيارب لا تحرمنا منهم.

كريم الشاذلي 

https://www.facebook.com/readpages

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق