الخميس، 14 يونيو 2012

أعط الصباح فرصة


آفة البشر أنهم يفقدون تدريجياً الإحساس بقيمة الأشياء إن هم اعتادوا رؤيتها كل يوم و الرؤية تكون اوضح و اجمل دائماً عن بعد، أما الاقتراب فيطمس أحياناً بعض معالم الصورة التى لا ترى بوضوح إلا من مسافة معقولة، تماماً كما نفعل حين نشاهد لوحة جميلة معلقة على الحائط، فنرجع إلى الخلف بضع خطوات لنستوعب تفاصيلها وصورتها الشاملة. 








أعط الصباح فرصته دائماً يا صديقي لكي يغيَّر الأحوال والظروف التي نشكو منها بجهدنا الدءوب
  فقد نتغير نحن ونصبح أكثر قدرة على تحملها والتوائم معها ...أو ربما نسعد بها أو أن نبدأ منها رحلة التغير 

فإذا كنت من هواة الصباح مثلي ..فقابلني في المساء فوق جسر الأمل .. وسوف تأتي بالضرورة في موعدك لنتحدث في شئوننا .. ونشد أزر بعضنا البعض .. ونتبادل المشاركة والتشجيع . 


أما إذا كنت من هواة الظلام فلسوف تخلف وعدك .. ولن أجدك فوق الجسر في الموعد المحدد .. ولن أندهش لغيابك .. لأن من لا يحرص على نعمة الحياة لا يستحق أن تحرص عليه نعمة الحياة .. ولا عجب في ذلك , فالحياة رغم كل آلامها ومتاعبها " ليست أهلاً للازدراء " كما قال الأديب الروسي العظيم ديستويفسكي ..." واحترام المواعيد " من صفات النبلاء والناجحين في الحياة . 







التدين الصحيح يرقق الطبع ويهذب النفوس ...ويفجر ينابيع الرحمة والعطف عند صاحبه على الإنسان والحيوان وكل الكائنات 


أحد الصوفية كان يتحرج من قتل النمل

خشية أن يكون في ذلك إثم 

ويقول : من يدريني أنها لن تحاجني عند رب العرش 

العظيم بأني قد قتلتها بغياً وعدواناً ..

ورسولنا الكريم دعا لمن سقى كلباً يلهث من 

شدة العطش وقال : في كل ذات كبد رطبة أجر .

فكيف يا رب بمن يقتلون عبادك الآمنين ذوي الأكباد 

البشرية فتنفطر عليهم أكباد ذويهم ؟






الاقتراب الشديد من الجميع قد يغرس أشواكهم فينا ويغرس أشواكنا فيهم والبعد عنهم أيضا يفقدنا الأمان والدفء ويجعل الحياة قاسية ومريرة 

   
لهذا فنحن فى حاجة دائما إلى أن نتلامس مع الآخرين ولكن بغير التصاق شديد يفتح أبواب المتاعب ويحجب الرؤية ويشوَّش السمع لأن القرب الشديد يضيق مدى الرؤية فى حين أن الاقتراب عن بعد أو الابتعاد عن قرب يجعل الرؤية أوضح والسمع أصفى 

فأنت إذا ألصقت شفتيك بالميكرفون وتحدثت فيه خرج صوتك مشوشا غير مفهوم وإذا أبعدته قليلا عن فمك خرج صوتك واضحا أما إذا أبعدته كثيرا جاء صوتك كالفحيح لا يميزه أحد 


فالإنسان فى حاجة إلى رفقاء يبثهم شجونه ويهتم بأمرهم ويهتمون بأمره لكنه يحتاج أيضا إلى أن تكون له ذاته الخاصة التي لا يقترب منها إلا الأصفياء وحدهم والإنسان يحتاج أيضا إلى أن يحسن الظن بالآخرين لكي تستقيم الحياة


 لكنه يحتاج أيضا إلى أن يكون حريصا بعض الشئ فى علاقاته بهم ، فلا يمنح ثقته الكاملة إلا لمن عرفه جيدا وامتحن إخلاصه وصداقته وقيمه الأخلاقية لأن الإسراف فى الشك خطأ يكشف عن سوء طوية الإنسان وفقا لقول الشاعر ( إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه ) 






كثيرًا ما تعاملتُ مع أشخاص لا يئنون ولا يشتكون من حياتهم أو ظروفهم الخاصة، ثم سرعان ما عرفتُ بعد اقترابي منهم أنهم حقًا لا يئنون ولكن ليس لأن حياتهم خالية مما يستحق الأنين
 وإنما لأنهم قد تجاوزوا مرحلة البوح والصراخ إلى مرحلة العجز عن الشكوى، أو إلى مرحلة "الصمت.. قوة الانفعال"

 وهي مرحلة متقدمة من مراحل الألم يفقد الإنسان معها حتى القدرة على الكلام والشكوى والبكاء. 
فتعلمتُ هذا الدرس، واستعنتُ به في فهم شخصيات كثيرين يظنهم الغافل سعداء، وهم في الحقيقة "مآس بشرية" تمشي على أقدامها. 


*  أشراقات *


حياة الإنسان من صنع إرادته و أفكاره، و العاجز حقا هو من يهرب من مواجهة ظروفه إلي الإحباط و اليأس من أي أمل في احتمال تغير الأوضاع إلي الأفضل ذات يوم

الصداقة الحقيقية لابد أن تتضمن قدراً من الإعجاب المتبادل بين الصديقين ..كل منهما بشخصية الآخر وقدراته , فإذا خلت منه , فإنها لا تكون أبداً صداقة حقيقية أو عميقة 

عبد الوهاب مطاوع 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق